السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ديوان الإمام الشافعي رحمه الله
كتمان الأسرار
إذا المرء أفشـى سـره بلسانـه----------ولام عليـه غـيره فـهو أحمـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه----------فصدر الذي يستودع السر أضيق
حمل النفس على ما يزينها
صن النفس واحملها على ما يزينهـا----------تعش سالماً والقول فيـك جميـل
ولا تـولـين النـاس إلا تجمـلاً----------نبا بك دهـر أو جـفاك خليـل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غدٍ----------عسى نكبات الدهر عنـك تزول
ولا خـير في ود امـريءٍ مـتلونٍ----------إذا الريح مالت ، مال حـيث تميل
وما أكـثر الإخوان حين تعدهـم----------ولكنهـم في الـنائبـات قليـل
تعريف الفقيه والرئيس والغني
إن الفقيـه هـو الفقيـه بفعلـه----------ليس الفقيـه بنطقـه ومقالـه
وكذا الرئيس هو الرئيس بخلقـه----------ليس الرئيس بقومـه ورجالـه
وكذا الغني هـو الغنـي بحالـه----------ليـس الغنـي بملكـه وبمالـه
القناعة
رأيـت القـناعـة رأس الغـن----------فـصرت بأذيالهـا متمـسـك
فـلا ذا يـراني علـى بابـه----------ولا ذا يـرانـي بـه منهمـك
فصـرت غنيـاً بـلا درهـمٍ----------أمـر علـى الناس شبـه الملك
مكارم الأخلاق
لما عـفوت ولم أحقـد على أحدٍ----------أرحـت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عـدوي عنـد رؤيتـه----------أدفـع الشـر عـني بالتحيـات
وأظهـر البشر للإنسان أبغضـه----------كمـا أن قد حشـى قلبي محبات
الناس داء ودواء الناس قربـهم----------وفي اعتزالهـم قطـع المـودات
تأتي العزة بالقناعة
أمـت مطامعي فأرحت نفسـي----------فإن النفـس مـا طمعـت تهون
وأحـييت القنوع وكـان ميتـاً----------ففـي إحيائـه عـرض مصـون
إذا طمـع يحـل بقلـب عبـدٍ----------عـلتـه مهانـة وعـلاه هـون
الإعراض عن الجاهل
أعـرض عـن الجاهـل السفيه----------فكـل مـا قـال فهـو فيـه
مـا ضـر بحـر الفرات يومـاً----------إن خاض بعض الكـلاب فيـه
كتب إلى ابويطي وهو في السجن : حسن خلقك مع الغرباء ووطن نفسك لهم فإني كثيراً ما سمعت الشافعي يقول :
أهـين لهم نفسي وأكرمها بهم----------ولا تكرم النفـس الـتي لا تهينهـا
توقير الرجال
ومـن هـاب الـرجـال تهيبـه----------ومـن حـقر الرجـال فلن يهابـا
ومـن قضـت الرجال له حقوقاً----------ومن يعـص الرجـال فمـا أصابـا
السماحة وحسن الخلق
إذا سبنـي نـذل تزايدت رفعـه----------ومـا العـيب إلا أن أكون مساببـه
ولـو لم تكن نفسي عـلى عزيزة----------مكنتهـا من كـل نـذل تحـاربـه
ولـو أنني اسعـى لنفعي وجدتن----------كثـير التوانـي للذي أنـا طالبـه
ولكنني اسـعى لأنفـع صاحـبي----------وعار على الشبعان إن جاع صاحبـه
***
يخاطـبني السفيـه بكـل قبـح----------فـأكـره أن أكـون لـه مجيبـاً
يزيـد سفاهـة فأزيـد حلمـاً----------كـعـودٍ زاده الإحـراق طيبـاً
الفضل
أرى الغرفى الدنيا إذا كان فاضلاً ----------ترقى على رؤس الرجال ويخطـب
وإن كان مثلي لا فضيلة عنـده ----------يقاس بطفلٍ في الشـوارع يلعـب
قال الربيع بن سليمان يقول الشافعي :
على كل حالٍ أنت بالفضل آخذ ----------ومـا الفضـل إلا للـذي يتفضـل
الزهد ومصير الظالمين
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهـم ----------سوى من غدا والبخل ملء إهـابـه
فجردت من غمد القناعة صارماً----------قطعـت رجائـي منهـم بذبـابـه
فـلا ذا يـراني واقفاً في طريقه----------ولا ذا يـراني قاعـداً عنـد بابـه
غنى بلا مالً عن الناس كلهـم----------وليس الغنى إلا عن الشـيء لآ بـه
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً----------ولـج عتـواً في قـبيـح اكتسابـه
فـكله إلى صـرف الليالي فإنهـا----------ستدعو له مـا لم يكـن في حسابـه
فكـم قـد رأينا ظالـماً متمرداً----------يرى النجـم رتيهاً تحت ظل ركابـه
فعمـا قـليلٍ وهـو في غفلاتـه----------أناخـت صـروف الحادثات ببابـه
وجـوزى بالأمر الذي كان فاعلاً----------وصـب عليـه اللـه سوط عذابـه
السكوت سلامة
قالوا اسكت وقد خوصمت قلت لهم----------إن الـجواب لباب الشـر مفتـاح
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شـرف----------وفيه أيضاً لصون العـرض إصـلاح
أمـا ترى الأسد تخشى وهي صامته ؟----------والكلب يخسى لعمري وهـو نبـاح
الصمت خير من حشو الكلام
لا خـير فـي حشـو الكـلام ----------إذا اهتـدت إلــى عـيـونـه
والصـمـت أجـمـل بالفتـى----------مـن منطـق في غـير حينـه
وعـلـى الفتـى لـطبـاعـه----------سمـة تـلوح علـى جـبينـة
فضل السكوت
وجـدت سكـوتي متجـراً فلزمتـه----------إذا لـم أجد ربحاً فلسـت بخاسـر
ما الصمـت إلا في الرجـال متاجـر----------وتاجـره يعلـو علـى كل تاجـر
ومما تمثل به الإمام
إذا نطـق السـفيـه فـلا تـجبـه----------فخـير مـن إجابتـه السكـوت
فإن كـلمتـه فـرجـت عـنـه----------وإن خليتـه كـمـداً يـموت
الإعتزاز بالنفس
مـاحـك جلـدك مثـل ظفـرك----------فتـول أنـت جـميـع أمـرك
وإذا قـصـدت لـحـاجــةٍ----------فـاقـصـد لمـعتـرفٍ بقـدرك
الإنسان وحظه
المـرء يحظـى ثـم يعلـو ذكـره----------حـتى يزيـن بالـذي لـم يفعـل
وتـرى الشقـي إذا تكامـل عيبه----------يشقـى وينحـل كـل مـا لم يعمل
الإيثار والجود
أجود بموجـودٍ ولـو بـت طاويـاً----------عـلى الجوع كشحاً والحشا يتألـم
وأظهـر أسبـاب الغـنى بين رفقـتي----------لمخافـهـم حـالي وإنـي لمعـدم
وبيني وبيـن اللـه اشكـو فـاقتـي----------حقيقـاً فإن اللـه بالـحال أعلـم
عزة النفس
لقـلـع ضـرس وضـرب حبـس----------ونـزع نـفـس ورد أمــس
وقر بـردٍ وقــود فــرد----------ودبـغ جـلـد ٍ بغـير شمـس
وأكـل ضـب وصـيـد دب----------وصـرف حـب بـأرض خـرس
ونـفـخ نـار ٍ وحـمـل عـارٍ----------وبـيـع دارٍ بـربـع فـلـس
وبـيـع خـف وعـدم إلـفٍ----------وضرب ألـفٍ بـحـبـل قلـس
أهـون مـن وقـفـة الـحـر----------يـرجـو نـوالاً بـبـاب نـحس
الهمة العالية
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب----------وفيضي آباز تكرور تبرا
أنا إن عشت لست اعدم قوتاً----------وإذا مت لست اعدم قبراً
همتي همة الملوك ونفسي----------نفس حر ترى المذلة كفراً
وإذا ما قنعت بالقوت عمري----------فلماذا أزور زيداً وعمراً
الجود
إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي----------وقد ملكت أيديكم البسط والفيضا
فماذا يرجى منكم إن عزلتم----------وعضتكم الدنيا بأنيابها عضا
وتسترجع الأيام ما وهبتكم----------ومن عادة الأيام تسترجع القرضا
حقوق الناس
أرى راحة للحق عند قضائه----------ويثقل يوماً إن تركت على عمد
وحسبك حظاً أن ترى غير كاذبٍ----------وقولك لم اعلم وذلك من الجهد
ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه----------وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعش سيداً يستعذب الناس ذكره----------وإن نابه حق أتوه على قصد
منتهى الجود
يا لهف نفسي على مال أفرقه----------على المقلين من أهل المروات
إن إعتذاري إلى من جاء يسألني----------ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
فساد طبائع الناس
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق----------شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضرورات لعشرتهم----------فكن جحيماً لعل الشوك يحترق
حصيد البدع
لم يبرح الناس حتى أحدثوا بدعاً----------في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسل
حتى استخف بدين الله أكثرهم----------وفي الذي حملوا من حقه شغل
الأمراض من ثلاث
ثلاث هن مهلكة الأنام----------أوداعية الصحيح إلى السقام
دوام مدامةٍ ودوام وطءٍ----------وإدخال الطعام على الطعام
مدارة الحساد
وداريت كل الناس لكن حاسدي----------مدارته عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ----------إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
مرارة تحميل الجميل
لا تحملن لمن يمن----------من الأنام عليك منة
واختر لنفسك حظها----------واصبر فإن الصبر جنة
منن الرجال على القلوب----------أشد من وقع الأسنة
المنــة
رأيتك تكويني بمبسم منةٍ----------كأنك سر من أسرار تكويني
فدعني من المن فلقمة----------من العيش تكفيني إلى يوم تكفيني
شح الأنفس
وانطقت الدراهم بعد صمتٍ----------أناساً بعد ما كانوا سكوتاً
فما عطفوا على أحدٍ بفضلٍ----------ولا عرفوا لمكرمةٍ ثبوتاً
الكفر بالمنجمين
خبرا عني المنجم أني----------كافر بالذي قضته الكواكب
عالماً أن ما يكون وما كان----------قضاه من المهيمن واجب
--------------------------------------------------------------
تغرب عن الأوطان في طلب العلى----------وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشةٍ----------وعلمٍ وآدابٍ وصحبة ماجد
الحض على السفر من أرض الذل
ارحل بنفسك من ارضٍ تضام بها----------ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في موطونه----------وفي التغرب محمولُ على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره----------في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه----------فصار يحمل بين الجفن والحدق
حال الغريب
إن الغريب له مخافة سارقٍ----------وخضوع مديونٍ وذلة موثق
فإذا تذكر أهله وبلاده----------ففؤاده كجناح طيرٍ خافق
الحض على الترحال
ما في المقام لذي عقلٍ وذي أدبٍ----------من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه----------وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده----------إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست----------والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ً----------لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقي في أماكنه----------والعود في أرضه نوع من الخطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه----------وإن تغرب ذلك عز كالذهب