ويضيف الدكتور محمد عبد اللطيف البنا:
ليس القرآن الكريم مجرد كتاب، وإنما هو إعجاز وتنزيل من رب العالمين للناس
كافة يقول تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ
بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ".
ونزل القرآن الكريم لهداية الناس: " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ
هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ
وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن
رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
كما أنه نزل بالتحدي والإعجاز، ومهما ذهب علماء علوم القرآن والقراءات
والفقه والأصول فلن يقفوا على كل معانيه، لأن معانيه لا تنتهي أبدا وهي
متعددة بتعدد خشوع من يقرأ ومن يتدبر، وليس المهم لدى الفرد الواحد أن يقف
على كل معنى توصل له الناس، ولكن المهم هنا هو الوقوف على كيفية معايشة
كتاب الله تعالى، والوقوف عند حدود الله عز وجل.
ولهذا الأمر عدة ضوابط في الفرد نفسه حتى يصل للمطلوب منه، كي يعيش بالقرآن الكريم:
أولا: الأدب مع كتاب الله تعالى:
ويتم هذا باحترام كتاب الله عز وجل وعدم امتهانه، كما يتم ذلك بالوضوء له،
والاستعداد له، وأقصد بالاستعداد حسن التهيؤ للقراءة بلبس أفضل الثياب،
والبعد عن مشاغل الحياة، فسوف تعيش الآن مع الله تعالى يكلمك وتكلمه، فورد
في الأثر:" إذا أردت أن تكلم الله فاقرأ القرآن وإذا أردت أن يكلمك الله
فاقرأ القرآن".
ثانيا: حسن التدبر لكتاب الله تعالى:
ويكون ذلك بحسن التدبر والتلاوة والقرب من الآيات حتى تشعر أنك في معية
الله تعالى وبين يديه، وأنك في قراءتك تزداد قربا بل شوقا لقرب، فتشعر أنك
تحسن التلقي فلا تسرح، ولا تقترب منك الدنيا بهمومها فتطغى عليك فلا تشعر
بالقرب، ولا تحسن الفهم، أو يكون الإغلاق للقلب فلا تصل لما يريد الله لك
من هداية بين طيات كتابه انظر لقوله تعالى :" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا". سورة محمد.
عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ شابا فقرأ: {أفلا يتدبرون
القرآن أم على قلوب أقفالها} فقال الشاب: عليها أقفالها حتى يفرجها الله،
فقال النبي صلى الله عليه سلم: صدقت. فالهداية من الله تعالى المهم في
الأمر حسن الاستقبال وإتقان التدبر، وقد أوصى إقبال والد الشاعر الفيلسوف
محمد إقبال ابنه فقال له يا بني اقرأ القرآن كأنما أنزل عليك. فإذا أردنا
العمل بالقرآن يجب علينا أن نحسن تدبره.
ثالثا: الاستسلام لأحكامه:
وعلى المسلم إن أراد أن يجعل القرآن الكريم أساسا للعمل في حياته أن يسلم
بقلبه، وعقله وفكره ووجدانه أن كل ما جاء من عند الله تعالى هو الصواب،
وأن يكون ذلك يقينا عنده لا يخالجه شك ولا يمازجه ريب يقول الله تعالى في
سورة النساء :" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً
مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" فالتسليم التام بما جاء به
الله تعالى من سمات المؤمنين.
ويقول تعالى في سورة الأحزاب:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً
مُّبِيناً" فلا نختار أمرا ولا نقدم شيئا غير ما يريده الله تعالى.
إذا أحسنا الأدب وأمعنا التدبر، وأخلصنا التسليم سهل العمل بكتاب الله
تعالى ثم بقي ما يجب وهو التطبيق، وفي هذا نتأسى بالنبي صلى الله عليه
وسلم فقد كان خلقه القرآن الكريم فقد امتدحه الله تعالى بذلك فقال تعالى
:" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وعندما وصفته السيدة عائشة رضي الله
عنها فقالت عنه صلى الله عليه وسلم كما جاء في كنز العمال:" كان خلقه
القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه" انظر لرضاه بما في القرآن وسخطه عما يسخط
عليه القرآن وتدبر حالك، وقالت:" كان قرآنا يمشي على الأرض" من كثرة
تطبيقه، وتمعنه وإقباله على الله تعالى.
وعليك أخي الكريم بما يلي:
1. البحث عن كل أمر في كتاب الله تعالى والعمل به.
2. البحث عن كل نهي في كتاب الله تعالى والانتهاء عنه.
3. التعبد لله تعالى بكتابه.
4. النهوض بالنفس لله تعالى، اجعلها عالية الهمة، مقبلة لا مدبرة.
5. تفقد كل شيء يجعلك تطبق حكما أو تمتنع عن نهي.
6. اصحب من يعينك على الفهم والمدارسة فكان الصحابة يتدارسون كما ورد عن
عمر عشر آيات بعشر آيات ولا ينتقلون منها إلى غيرها إلا بعد حفظها
وقراءتها ومدارستها وفهم كل ما فيها.
7. اعلم أخي الكريم أن ديننا الإسلامي يتجاوب مع الفطرة وما من شيء إلا
وتجده فيه، وكل ما يضر فهو محرم، وكتاب الله تعالى معايشته سهلة بسيطة
تحتاج فقط لقلب يحب الله تعالى ويرغب في الحديث معه، ويتعلم عن قرب منه
سبحانه وتعالى، وينظر بفكره وقلبه مراده تعالى فإن غمض عليك شيء، كان
السؤال أو البحث إن لم تجد من تسأله.
8. كل ما يقربك من الله تعالى اسلك طريقه، وكل ما يبعدك عن الله تعالى تجنبه.
9. احذر هفوات النفس، فإنها مدخل للشيطان.
10. تمعن فيما تقرأ، ولا تمر بشيء إلا بعد تطبيق وإذعان وتسليم.
[/size]